جولولي

اشترك في خدمة الاشعارات لمتابعة آخر الاخبار المحلية و العالمية فور وقوعها.

انتحار أديب نوبل «إرنست هيمنجوي»..مرض وراثي أم FBI؟

الخميس 06 سبتمبر 2012 | 09:58 صباحاً
القاهرة - آية صلاح الدين
588
انتحار أديب نوبل «إرنست هيمنجوي»..مرض وراثي أم FBI؟

في تجربته الإخراجية الأولى لشاشة السينما وقع اختيار الممثل الكوبي أندي جارسيا على النجم الإنجليزي الكبير أنطوني هوبكنز لتجسيد دور طالما حلم به منذ قراءته لروايته«العجوز والبحر»..إنه الروائي إرنست هيمنجوي أحد أعظم كتاب الأدب في التاريخ، بل يراه الكثيرين أعظم أديب أمريكي في القرن العشرين.

هيمنجواي أو كما لقب بـ«بابا» هو كاتب أمريكي ترك بصمته على الأدب الأمريكي الذي صار واحداً من أهم أعمدته، حيث بدأ حياته العملية صحفياً بجريدة «كنساس ستار»، ثم متطوعاً للصليب الأحمر الإيطالي ١٩١٨ في أواخر الحرب العالمية الأولى، وفى ١٩٢٣ نشر أولى مجموعاته القصصية وهى «ثلاث قصص وعشرة أناشيد»، إلى أن لفت انتباه الجمهور بعمله «الشمس تشرق أيضاً»، ثم «وداعا أيها السلاح» و«لمن تقرع الأجراس»، وبعد رحلة عامرة بالأعمال الأدبية حصل على جائزة نوبل للآداب عام ١٩٥٤ عن روايته الأشهر (العجوز والبحر).

في البداية غلبت النظرة السوداوية للعالم على حياته، فشخصياته كانت دائماً أفراد يتحملون المصاعب دونما شكوى، أو ألم كما هي طبيعته الفعلية، وبالرغم من أنه قد عاد في منتصف سنوات حياته ليجدد أفكاره ولتصوير القوة النفسية للعقل البشري، وهي تتحدى القوى الطبيعية الأخرى في صراع ثنائي وفي جو من العزلة والانطوائية، إلا أنه لم يستطع التخلص من تلك النظرة واختتم حياته بها في نهاية المطاف.

زواج الدكتور ميلر همينجوي، الطبيب المولع بالصيد، من السيدة جريس هول، المتزمتة ذات الاهتمام بالموسيقي، كان مباركاً حيث أنجبا إرنست في 21 يوليو عام 1899 بولاية الينوى الأمريكية، ومنذ صغره ارتبط بوالده وصارت هناك علاقة قوية بينه وبين والدهـ حتى أنه في سن الثانية من العمر أهداه قصبة صيد أسماك، وفى سن العاشرة من العمر أهداه أيضاً بندقية صيد ليمارس معه هوايته المحببة «الصيد».

فنحن إذن أمام طفل مدلل من والده يصطحبه معه أينما ذهب حتى باتت العلاقة بينهما أقرب إلى الصداقة منها إلى الأبوة،حتى وصلت إلى اختيار نفس طريقة الانتحار، والده كان مريضاً ومصاباً بالإحباط مما دفع به إلى إنهاء حياته، كذلك انتحرتا أيضاً شقيقتيه أورسولا وليستر، ومن بعد هيمنجوي ذاته انتحرت حفيدته مارجاوك، لذلك أعتقد البعض أن هناك مرضاً وراثياً في عائلة هيمنجوي يسبب زيادة تركيز الحديد في الدم، مما يؤدى إلى تلف البنكرياس ويسبب الاكتئاب أو عدم الاستقرار في المخ.

هيمنجوى عاش حياة أسطورية تتخللها فترات من الدعة والراحة أحياناً، وفترات من القلق والخوف والحزن أحياناً أخرى، وما بين صعود وهبوط عاش يقاتل مع الحياة وضدها، وبقى في أعوامه التسعة الأخيرة يقاتل في معركة خاسرة ضد المرض والشيخوخة والانحدار العام في طاقته الإبداعية.

وفى سنوات عمره الأخيرة انتقل للعيش في منزل بكوبا، وبدأ يعاني من ارتفاع ضغط الدم واضطرابات خطيرة في الكبد، فضلاً عن القلق النفسي المزمن، والرغبة في الانتحار التي أودت بحياته وأصبح بعدها مهزوماً بين جسد مُعتل ونفس أبت الحياة هي الأخرى، حتى أنه في عام 1960 أظهر ميلاً جامحاً للانتحار إثر تدهور حالته الصحية والنفسية.

وبعد أن نقص وزنه وارتفع ضغط دمه دخل مستشفى«مايو كلينيك» بولاية منيسوتا للعلاج وغادرها عام 1961، حيث أقدم بشكل جديّ على الانتحار لأول مرة ولكنها باءت بالفشل ثم عاودته نفس الحالة مرة أخرى، فدخل للعلاج ثانية وخضع للصدمات الكهربية، وخرج بعدها لكن زوجته ماري ويلش، التي صاحبته في آخر حياته، كانت تشعر أنه وصل لدرجة لا يمكن الشفاء فيها، وبقلب الزوجة المحبة المعطاءة كانت تدفعه للأمل وللإشراق حتى كان ظهر يوم 2 / 7 / 1961 أطلق هيمنجواي الرصاص من بندقية صيد والده على رأسه منتحراً.

الغريب أن مقال نشره صديق هيمنجوي المقرب خلال الـ14 سنة الأخيرة في حياته، وأيضاً كاتب سيرته أرون إدوارد هوتشنر في صحيفة «نيويورك تايمز» العام الماضي يقول فيه: «عقب انتحار هيمنجوي ترددت الأقاويل أنه انتحر بسبب بعض الاضطرابات الثنائية القطب وشعوره بأنه فقد الوحي الذي يدفعه إلى الكتابة والكآبة التي عاناها بسبب مشكلاته المادية، ولكنني اليوم أخالف هذه الفرضيات فقد عاد إلى كوبا عام 1959 كي يكتب مقالة طلبتها منه مجلة«لايف» إلا أن «الأف. بي. أي» شكّت يومها في تعامله مع النظام الكوبي وأخضعته لمراقبة دقيقة ولصيقة وأتذكر، من خلال رسالة أرسلها هيمنجواي إليّ، الشهور التي سبقت انتحاره والكآبة الطافحة حين زرتُه في منزله في إيداهو، حيث قال: «أعيش أقسى أنواع الجحيم، إنهم يتنصتون عليّ في كل مكان، لهذا أستعمل سيارة ديوك، إذ أن سيارتي مليئة بأجهزة التصنت، كل شيء كان مراقباً، من المستحيل أن أتصل بالهاتف، رسائلي تصلني مفتوحة».

وأضاف في مقاله: «هذه المراقبة اللصيقة عادت لترافقه خلال وجوده في مستشفى سانت ماري، في ولاية مينيسوتا، الذي دخل إليه عام 1960 لتلقي العلاج النفسي بالصدمات الكهربائية، أعتقد فعلاً أنه كان يشعر بالقلق من المراقبة، وقد ساهم هذا الأمر في ازدياد كآبته ما دفعه إلى الانتحار».

وبالرغم من تعدد الروايات حول أسباب انتحار الأديب العالمي، فالنتيجة قد حدثت بالفعل ولم يعد يُجدي معها البحث عن القديم، فقد اختار هيمنجوي أن يرحل منهياً حياة حافلة بالغربة والألم والحب والإبداع فانطفأت شمعة وسقطت لؤلؤة كانت تزين صدر التاريخ الأدبي العالمي.