شارلي شابلن بعد مائة عام: ماذا تعرف عن فيلم الطفل The kid الذي يعرض في مهرجان الجونة
يعد هذا الفيلم من جواهر شابلن السينمائية, والاسباب في ذلك عديدة أهمها أنه حافظ علي الابتسامة من خلال احداث مأساوية في أول اقتحام صريح ناحية الميلودراما, وإذا كان فيلم "حياة كلب" شهد مجازفة من قبل شابلن باسناده للكلب دورا رئيسيا, فإنه يفعلها مرة أخري ولكن مع صبي لم يتعد عمره الست سنوات, يمكننا أن نقول دون مبالغة أن هناك حالة من العشق والثقة جمعت ما بين الطفل جاكي وبين شابلن, وهذا ما ظهر جليا في أحداث الفيلم, فلم يكن ينتاب المشاهد بأن ما يجري أمامه فيلما سينمائيا بل شعر الكثيرون بأنهم أمام حالة حقيقية لا تنقصها الاحاسيس الصادقة.
نزعم أن جاكي كوجان هو من اوحي لشابلن بفكرة فيلم "الطفل" حيث وجد فيه موهبة تلقائية إلي جانب أنه يتعلم بسرعة, عند عرض الفيلم حقق نجاحا كبيرا في كل ارجاء العالم, مدة الفيلم 53 دقيقة. في مقال "يامن نوحّ" نشر في موقع نون الالكتروني، بتاريخ 27-2-2015 بعنوان "شابلن والطفل.. ابتسامة وربما دمعة" يقول : "فيلم "الطفل" الذي عرض في دور السينما عام 1921، كان يمثل بوضوح التحول في إنتاج شابلن من الكوميديا الهزلية المفتقرة إلى القصة المتماسكة والسيناريو المحدد، إلى الفيلم الدرامي الملتزم بمسار القصة ولو جاءت على حساب الإمكانيات الكوميدية الصارخة للموقف.
تدور أحداث الفيلم حول سيدة تحاول التخلص من ثمرة خطيئتها والمتثملة في طفل رضيع، وذلك بتركه داخل أحد العربات، التي تتعرض للسرقة وعندما يكتشف اللصوص وجود الطفل يقومون بإلقائه بجانب صناديق القمامة، ليجده الصعلوك بالصدفة ويحاول التخلص منه في البداية، لكن لا تطاوعه نفسه، ويقرر الاحتفاظ به، ومشاركته حياة الصعلكة، عن طريق تعليم الطفل تكسير زجاج النوافذ ليظهر هو بعد قليل كمصلح للزجاج.
وهكذا يكسبان عيشهما ويطاردهما الشرطي المتشكك. وتتصاعد الدراما حتى يمرض الطفل ذات مرة، وتحاول السلطات المحلية انتزاعه من شارلي في مشهد شديد التأثير والحزن، حتى تتسبب المصادفات في عثور أم الطفل –التي صارت امرأة غنية وشهيرة في ذلك الوقت– عليه. في فيلم "الطفل" تتجلى بالكامل الجوانب الشخصية العبقرية لشخصية الصعلوك (THE TRAMP) التي اشتهر بها شابلن. فربما هو فعلاً أهطل بكل معنى الكلمة، ومدعٍ ومتحذلق وبلا موهبة، لكنه بطل أخلاقي عظيم وطيب القلب ومشحون بالمشاعر، ومن أجلّ مواقفه الإنسانية يعرّض نفسه للمشاكل والمواجهات الصدامية مع شخصيات أخرى غير أخلاقية.
شارلي شابلن
بإمكان شخصية الصعلوك مثلما تثير الضحك، أن تثير كذلك حزنًا عميقًا وتعاطفًا لا حد له، فهو ليس مهرّجًا أجوف يقوم بحركات هزلية من أجل إضحاك الجمهور، ولكنه شخصية كاملة وشديدة العمق والتفصيل، وباكتشافها –الذي جاء بالصدفة- اكتشف شارلي شابلن نفسه، ومضى معها في الجزء الأكبر والأهم من مشواره الفني.
في مشهد انتزاع الطفل من شابلن, حكى في مذكراته كواليس تصوير هذا المشهد. فبرغم موهبة جاكي الفائقة واستجابته السريعة في كثير من المشاهد، غير أن شابلن لم يتمكن من جعله يبكي بكاء طبيعيًا لتنفيذ هذا المشهد بالذات برغم محاولاته العديدة، فقد حكى له كل الحكايات المفزعة والمخيفة التي يعرفها ليجعله يبكي لكنه لم يفلح، وظل الطفل في حالة ابتهاج.
شارلي شابلن
وبالمصادفة كان والد الطفل موجودًا في هذا الوقت في البلاتوه، فقال لشارلي: دعه لي، سأجعله يبكي. فوافق شابلن لكنه عاد بعد لحظات وأنّبه ضميره، فحذّر الرجل قائلاً: إياك أن تؤذيه، فرد الرجل مطمئنًا شارلي.
وشعر شارلي أنه لن يحتمل البقاء لرؤية ما سيفعله والد جاكي فيه فغادر البلاتوه، وبعد لحظات سمع صوت بكائه وصراخه، وخرج إليه الوالد قائلاً: تفضل، إنه مستعد تمامًا.
شارلي شابلن
وبعد تصوير المشهد سأل شابلن الأب عما فعله لجاكي ليجعله يبكي بهذا الشكل، فقال له الأب: لا شيء سوى أني أخبرته أنه إن لم يبك سنخرجه بالفعل من الاستوديو ونرسله إلى ملجأ (وهو ما يحدث في المشهد بالفعل، حيث ينتزعه الموظفون الحكوميون من الصعلوك لإيداعه بملجأ)، فأخذ شارلي جاكي بين ذراعيه واحتضنه ليهدئ من روعه، وكان خداه ما زالا مبتلين بالدموع، فقال له شارلي مطمئنًا: لن يأخذك أحد من هنا. يبقي في النهاية أن نقول أن فيلم "الطفل" الذي مر عليه قرن من الزمان مازال يشاهد بشغف ومتعة ويستدر كثير من الضحكات وكثير من الدموع, انه الخلود الذي صنعه شابلن.
شارلي شابلن