المهاتما غاندي: «اللاعنف هو أعظم قوة متوفرة للبشرية»
في إطار الدعوات التي تنادي بالعصيان المدني الشامل في مصر كنوع من الضغط على المجلس العسكري الذي يتولى إدارة شئون البلاد حالياً لتنفيذ مطالب ثورة 25 يناير، تأتي في الأفق سيرة الأب الروحي للعصيان المدني المهاتما غاندي.
السياسي البارز والزعيم الروحي للهند موهنداس كرمشاند غاندي كان رائداً للـ«ساتياجراها » وهي مقاومة الاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل، التي تأسست بقوة عقب«أهمسا» أو اللاعنف الكامل، والتي أدت إلى استقلال الهند وألهمت الكثير من حركات الحقوق المدنية والحرية في جميع أنحاء العالم.
غاندي الذي أطلق عليه شاعر الهند رابندرانات طاغور اللقب التشريفي «المهاتما» ويعني «الروح العظيمة» أسس في عالم السياسية ما عُرف بـ«المقاومة السليمة» أو فلسفة اللاعنف وهي مجموعة من المبادئ تقوم على أسس دينية وسياسية واقتصادية ملخصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمحتل عن طريق الوعي الكامل بالخطر المحدق وتكوين قوة قادرة على مواجهة هذا الخطر باللاعنف أولاً ثم بالعنف إذا لم يوجد خيار آخر.
أبو الأمة الهندية الذي وُلد في 2 أكتوبر ويعتبر يوم ميلاده عطلة وطنية في الهند، واليوم العالمي لللاعنف، دّرس للعالم طرق السلمية في مقاومة المحتل، ولجأ لفكرة العصيان المدني اللاعنفي حينما كان محامياً مغترباً في جنوب أفريقيا بعد فشله في الحصول على عمل في الهند نفسها، وذلك في الفترة التي كان يناضل خلالها المجتمع الهندي من أجل الحقوق المدنية.
المهاتما أوضح رأيه في العصيان المدني بقوله:«إن العصيان المدني هو حق أصيل للمواطن في أن يكون متمدناً، وهو ينطوي على ضبط النفس، والعقل، والاهتمام، والتضحية»، وتعليقاً على سياسة اللاعنف قال: «إن اللاعنف هو أعظم قوة متوفرة للبشرية..إنها أقوي من أقوي سلاح دمار صنعته براعة الإنسان».
زعيم الحركة الوطنية الهندية قام بتنظيم احتجاجات من قبل الفلاحين والمزارعين والعمال في المناطق الحضرية ضد ضرائب الأراضي المفرطة والتمييز في المعاملة، كما قاد حملات وطنية لتخفيف حدة الفقر، وزيادة حقوق المرأة، وبناء وئام ديني ووطني، ووضع حد للنبذ بين الهندوس والقلة المسلمة في الهند، وزيادة الاعتماد على الذات اقتصادياً.
من أبرز مظاهر نجاح العصيان المدني الذي قاده غاندي في الهند، ما فعلته «مسيرة الملح» بالاستعمار البريطاني هناك، إذ عمل فيها المهاتما على تحدي المستعمر الذي كان يحصر استخراج الملح بالسلطات البريطانية.
فبعيداً عن العنف وفقاً لمبادئه، قاد المهاتما غاندي مسيرة شعبية أُطلق عليها «مسيرة ملح داندي» توجه بها إلى البحر لاستخراج الملح من هناك، وذلك في 12 مارس عام1930، وقطعت المسيرة مسافة 400 كيلومتر.
حركة مقاومة قوانين الملح والتي استمرت لمدة عام وأعتقل على إثرها غاندي انتهت بخروجه من السجن، وباتفاقية ثنائية مع الحاكم البريطاني اللورد إيروين «معاهدة غاندي - إيروين» والتي غيرت قوانين الضريبة البريطانية على الملح.
المسيرة كانت وسيلة ضغط قوية على المستعمر البريطاني، كما أنها نجحت أيضاً في إثارة انتباه العالم نحو استقلال هند التام من خلال التغطية الصحفية لها، وشجعت عدد كبير من الهنود في الاشتراك لمقاومة المحتل حتى نجحوا في الحصول على استقلالهم عام 1947، وتُعد حركة الاستقلال الهندية عن الاستعمار البريطاني أول تطبيق ناجح على نطاق واسع للعصيان المدني.
ولكن تبقى طبيعة كل مجتمع وقائد حركة «العصيان المدني» فيه، بالإضافة لأهدافها أمام الدعوات التي يرددها البعض حالياً في تطبيق مبدأ «العصيان المدني» في الوقت الحالي بمصر، مع العلم أنه سبق ولجأ إليها المجتمع المصري خلال ثورة 1919 ضد المستعمر الإنجليزي أيضاً ونجحت في الضغط عليه بالإفراج عن سعد زغلول قائد الثورة حينها.