محمد إقبال.. شاعر بدرجة داعية
مرت بالأمس ذكرى وفاة الشاعر الباكستاني الكبير محمد إقبال صاحب القصيدة الشهيرة " حديث الروح" والتي تغنت بها كوكب الشرق أم كلثوم. الشاعر الراحل له العديد من المساهمات العلميَّة الجادَّة التي كانت سببًا رئيسًا في الدفاع عن الإسلام، فكانت فلسفته قائمة على القوَّة والوَحدة، وقبل وفاته بستَّة أشهر زاره العلامة أبو الحسن الندوي، فعبَّر له إقبال عن نظرته للفلسفة قائلاً: "إن علوم الطبيعة تلتقي مع الإسلام على الجدِّ والعمل والبعد عن البحوث الفلسفيَّة التي لا جدوى فيها.
محمد إقبال ولد في مدينة "سيالكوت "في إقليم البنجاب في الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة سنة 1289هـ، الموافق 9 من نوفمبر عام 1877م، لسلالة أصلها براهمية من الطبقات العليا في المجتمع الهندي، وقد أسلم جدُّه الأكبر قبل ميلاده بثلاثمائة عام، فنشأ إقبال منعَّمًا بالإيمان، ومتعلِّقًا به، وقد حفظ القرآن الكريم، والتحق بمدارس بلدته الابتدائية والثانوية، ثم التحق بالكليَّة الحكوميَّة.
إقبال أُرسل لبراعته ودقَّته إلى لندن عام 1905م ليلتحق بجامعة كامبردج، وقد حصل هناك على درجة علميَّة مرموقة في الفلسفة وعلم الاقتصاد، فرحل إلى جامعة ميونخ بألمانيا، حيث حصل على الدكتوراه في الفلسفة، وما لبث أن عاد إلى لندن؛ لحضور الامتحان النهائي في الحقوق، فحصل على درجة عالية في القانون.
في لندن عَمِل في تدريس اللغة العربية في جامعتها، وحاضر كثيرًا عن الإسلام، فساهم بجهد كبير في نشر الدعوة، وفي المقارنة بين الفلاسفة المسلمين كابن سينا وابن رشد وابن عربي وجلال الدين الرومي، وبين فلاسفة أوربيين: كهيجل ونيتشه، وشوبنهاور، فذاع صيته في الآفاق: في تركيا وروسيا وبلاد الأفغان.
أعماله ترجمت واهتمَّ بها كثير من فلاسفة الغرب، فقارنوا بينه وبين "جوته" وكذلك بينه وبين "نيتشه"، حتى قامت في ألمانيا (جماعة إقبال) تُشْرِف على ترجمة آثاره، وكذا فعل المسيو "إسكاريا "في إيطاليا، و"نكلسون" في أمريكا، و"عبد الوهاب عزام" في مصر.
الشاعر الراحل تحدث عن الفلسفة الإلهية، وكيف شغلت الشرق واستهلكت قواه، وذكر أن أوروبا إنما نهضت وملكت العالم لمَّا ثارت على هذه الفلسفة أي فلسفة ما بعد الطبيعة، وبدأت تشتغل بعلوم الطبيعة المجدية المنتجة، ولكن قد حدث وثار من المسائل في هذا العصر ما يخاف معه أن ترجع أوروبا القهقرى، وذكر أن العقل العربي كان الأقدر على فهم الإسلام فهمًا صحيحًا، والأجدر على حمل أمانته.
إقبال من الشعراء القليلين الذين وهبوا حياتهم للفكرة الإسلاميَّة، فأقام شعره وقلمه وبيانه في سبيل تجلية عظمة الإسلام وفضله، وما من شاعر ممن كتبوا عن الإسلام إلاَّ شاركوا فيه فنونًا أُخَر ما عدا إقبال، حسب ما يقوله النقاد.