نص آخر 3 خطابات كتبهما تشي جيفارا قبيل وفاته
"إنني أُحس على وجهي بألم كل صفعة تُوجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني"، "الثوار يملئون العالم ضجيجاً كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء"، "إن الطريق مظلم و حالك، فإذا لم تحترق أنت وأنا فمن سينير الطريق".
قد لا نحتاج إلى ذكر "لمن تنسب تلك العبارات المأثورة" فهي الأشهر و الأوسع انتشاراَ ليس فقط لاشتمالها على أسمى المعاني الإنسانية التي إن خلت منها البشرية نكون قد عُدنا إلى عصور الغاب و انتهاك حرمات الإنسان ...ليس فقط هذا هو سبب مأثوريتهم و إنما السبب هو تخليد ذكرى قائلهم "ارنستو تشي جيفارا" المتواجدة أبداً و حتى رحيله.
"ارنستو تشي جيفارا" الثوري الكوبي الماركسي الأرجنتيني المولد ... الطبيب والكاتب وزعيم حرب العصابات والقائد عسكري ورئيس دولة عالمي والشخصية الرئيسية في الثورة الكوبية.... قد لا يتسع مقالنا لذكر باقي ألقابه و أعماله التي خلدته .
قد يعلم المعظم أن "جيفارا" هو مناضل و سياسي ثوري لم يعرف سوى الخطابات السياسية النارية التي يهاجم فيها أعدائه و يدعو إلى ثورات التحرر من الاستعمار الرأسمالي و لكن المعظم أيضاً قد يجهل أنه و كمعظم الشباب اليساريين في فترات الدراسة في النصف الأول من القرن العشرين مارس الكتابة شعراً ونثراً ومن أعماله قصيدة ماريا العجوز التي تكشف عن جانب كبير من شخصيته .
و لكن تبقى خطاباته الإنسانية هي أكبر دليل على توجه أدبي بالغ الرقة و السمو و أسلوب لغوي قد يحسبه البعض لا يتناسب مع ثوريته و تقشفه و إنما هي في الحقيقة الدافع وراء ذلك التوجه الثوري الذي ينادي بالعدالة و الكرامة الإنسانية.
الرسالة الأولى : إلى ابنته عام 1965
"أكتب لك اليوم, ولو أن الرسالة ستصلك متأخرة بما فيه الكفاية، و أود أن تعلمي أني أفكر بك و آمل أن تمضي عيداً سعيداً. لقد كدت تصيرين امرأة، و لم أقدر أن أكتب لك كما يكتبون للأطفال إذ يسردون لهم الحماقات و القصص.
يجب أن تعلمي أني بعيد و سأبقى بعيداً عنك زمناً طويلاً باذلاً كل ما باستطاعتي للكفاح ضد أعدائنا. ليس ذلك أمراً عظيماً, لكني أفعل شيئاً ما, وأظن أنك ستكونين دوماً فخورةً بأبيك, كما أني فخور بك.
تذكري أنه ما يزال أمامنا سنوات كثيرة من الكفاح و أن عليك أن تلعبي دورك فيه حتى عندما ستصيرين امرأة. و بانتظار ذلك يجب أن تعدي نفسك, أن تكوني ثورية جداً, هذا يعني في سنك الإكثار من الدراسة, قدر الإمكان, و الاستعداد دوما للدفاع عن القضايا العادلة. بالإضافة إلى أطاعتك أمك و ألا تظني نفسك كبيرة قبل أن تكبري فسيتحقق ذلك.
يجب أن تناضلي لتكوني من خيرة الطالبات في المدرسة, أن تكوني خيرهن بجميع المعاني, و تعلمين معنى ذلك: دراسة, موقف الثوري, رفاقية إلخ... لم أكن هكذا في سنك و إنما عشت في مجتمع آخر, كان فيه الإنسان عدو الإنسان أما الآن فقد أسعدك الحظ بأن تعيشي في عصر آخر و يجب أن تكوني أهلاً له.
لا تنسي أن تقومي بجولة في المنزل لتفقد بقية الصغار و توصيهم بالعمل الجدي و أن يكونوا عاقلين. و خاصة أليدينا التي تصغي إليك جيداً لأنك أختها الكبرى.
و الآن, يا صغيرتي أتمنى لك مرة أخرى عيداً سعيداً جداً. قبّلي أمك و جينا و تقبلي قبلة كبيرة جداّ و قوية جداّ, تدوم طيلة الوقت الذي لن أراك فيه, من أبيك"
الرسالة الثانية:
أهلي الأعزاء،
مرة أخرى أشعر بسواحل" روسنيات" تحت عقبي؛ فقد عاودت السير و الترس في يدي.
كان ذلك منذ عشر سنوات تقريباً, عندما كتبت لكم رسالة وداع أخرى. و أذكر جيداً أني شكوت لأني لم أكن أفضل جندي و أفضل طبيب؛ أما الطبيب لا يهمني كثيراً؛ و أما الجندي فلست رديئاً إلى ذلك الحد. لم يبدلني شيء بصورة أساسية سوى أني أكثر وعياً بكثير وأن ماركسيتي قد تعمقت و صفيت. أؤمن بالكفاح المسلح كحل وحيد للشعوب المكافحة في سبيل التحرير وأني منسجم مع معتقداتي.
سيعتبرني الكثيرون مغامراً و إني لكذلك حقاً ؛ لكني مغامر من نمط آخر؛ من أولئك الذين يخاطرون بجلدهم في سبيل الدفاع عن الحقائق. قد تكون هذه المرة الأخيرة.
لقد أحببتكم كثيراً، غير أني لم أحسن التعبير عن عطفي؛ فأنا صلب غاية الصلابة في أفعالي و أعتقد أنكم لم تفهموني أحياناً. لم يكن فهمي سهلاً وإنما كل ما أطلب اليوم هو أن تصدقوني.
و الآن، فإن إرادة صقلتُها بتلذذ الفنان تحمل ساقين مرتخيتين و رئتين منهوكتين. و سأفعل ذلك. تذكروا من حين لآخر هذا القائد الصغير من القرن العشرين. قُبلة إلى سيليا، روبرتو ، جوان مارتان ،توقوتان ، بياتريس وإلى الجميع أُُقبلكم.
ولدكم المسرف العنيد أرنستو.
أما آخر خطاب "جيفارا" الأخير قبل وفاته فكان لصديقه و رفيق كفاحه"فيدل كاسترو" الزعيم الكوبي قبل اختفائه في إبريل عام 1965 و كان نصها :
" لقد شعرت بأني أديت الواجب الذي عهدت به الثورة الكوبية ، ولهذا فأنى أودعكم وأتخلى عن جميع مناصبي كوزير وكعضو في الحزب وكقائد وكمواطن كوبي أيضاً لقد كان خطأي الوحيد أنى لم افهم بصورة كاملة صفاتكم العظيمة وأنى فخور بأن تبعتكم ..إن أمماً أخرى تطلب خدماتي ويتعين على أن أغادركم ،إنني اترك ورائي أعز ذكرياتي وأحب الناس إلىّ ، واحمل معي الروح التي زرعتموها فيّ إلى ميادين جديدة في النضال ضد الاستعمار وإذا واتتني نهايتي في أى مكان فسأحمل معي دائماً المثل الأعلى الذي وضعتموه "