لماذا فكرت فاطمة رشدي في الانتحار بلندن؟
من قد يتصور أن الرائدة المسرحية فاطمة رشدي قد أقدمت على الانتحار والتخلص من حياتها وهي في قمة مجدها الفني؟! فنانة مثلها تملك الأموال والشهرة ما الذي جعلها تقدم على مثل هذا التصرف؟ فخلال تواجدها مع فرقتها في عاصمة الضباب لندن، كادت أن تلقِ بنفسها من فوق جسر واترلو الشهير، ولكنها تراجعت في اللحظات الأخيرة ليس خوفًا من الموت؛ وإنما خشيت أن تموت في بلد لا يعرف مدى ما قدمته هي إلى الفن المصري.
الفنانة المصرية التي تمتعت تلك الأيام بثروة كبيرة نسبيًا تمكنها من العيش الكريم، أنكرت على الدولة جحودها ومحاربتها لها بعد أن رفعت قضية الفن فوق أكتافها لمدة 25 عامًا، عندما لم يكن هناك فن «وقفت وحدي أحارب احتكار الحكومة للفن وإخضاعه بتسعيرة الدرجات الحكومية، والكادر الحكومي، والمرتب الحكومي».
وما أحزن فاطمة رشدي هو تمجيد بعض المؤرخين لحفنة من الفنانين المصريين الذين يركبون الكاديلاك ويمتلكون العمارات الفخمة، ويرتفع رصيدهم في البنوك إلى الملايين عن طريق التدجيل والتهريج والأغاني الوضيعة، في الوقت الذي يتركون فيه عباقرة مثل: نجيب الريحاني والشيخ سلامة حجازي وعزيز عيد، لا يجدون لمال ليأكلوا أو يجد ذويهم الكفن لدفنهم».
وما زاد من عنائها أنها وجدت التكريم الذي أرادته من الخارج؛ فالحكومة الفرنسية دفعت لفرقتها عشرة آلاف جنيه لكي تمثل في تونس وشمال أفريقيا، وعرضت عليها الإذاعة البريطانية خمسة آلاف جنيه لتسجيل أدوارها الخالدة في هاملت، إليزابيث وكليوباترا، كذلك محطة «صوت أمريكا» دعتها للسفر إلى نيويورك لتسجيل بعض رواياتها مع عزيز عيد ويوسف وهبي وأحمد علام «عندما كان المسرح المصري مسرحًا.. وعندما كان الفن فنًا!!».
ورأت الرائدة المسرحية أن الفن عند الغرب ليس مادة للترفيه فحسب، بل هو للنقد السياسي اللاذع أيضًا والتوجيه المفيد «في أحد مسارح لندن شاهدت مسرحية أمريكية تعالج بعض المسائل الأمريكية العامة، ولم يكن هذا البرنامج تهريجًا، بل كان نقدًا صريحًا، فأين هذا من مباذل المسرح المصري ومن أغنيات من تحت لفوق، ومن فوق لتحت».
وتستكمل: «شاهدت في لندن الشعب البريطاني يحترم ممثليه ويقدسهم ويضعهم في أعلى الدرجات.. وكأنهم أنصاف آلهة، أما في مصر فإن الممثلة ليست سوى امرأة رفعتها الأهواء الشخصية، والاستلطاف الشخصي والفنان العظيم هو الذي يرتفع على تلويث سمعة فاطمة رشدي ويوسف وهبي وزكي طليمات».