قصة «العزومة» الغامضة لمحمد عبدالوهاب في باريس
خلال تصوير فيلم «دموع الحب» عام 1938، سافر موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب مع المخرج محمد كريم إلى باريس لاستكمال عملية المونتاج والتحميض، وكان هناك بالمصادفة الصحفي محمد التابعي، فدعاهما على الغداء في مطعم فرنسي شهير.
المطعم الفرنسي كان يقع خلف مسرح الأوديون يدعى «الكونسون دي ليه» وترجمتها بالعربية «الخنزير الصغير»، وهو مطعم قديم لا يرتاده غير الفرنسيين وكل جدرانه مزينة بقصائد شعرية عن الغداء والنبيذ والشهية وفي أحد أركانه قصيدة تتحدث إلى الزبائن الذين يرتادون المطعم داعية إياهم إلى أن يأكلوا جيدًا «إذا لم تكن صحيح المعدة.. وإذا لم تكن ذواقة.. وإذا كنت من هؤلاء الذين يأكلون صنفًا ويتركون الآخر لأن معدتهم لا تحتمله.. إذا كنت أحد هؤلاء.. فتفضل وأرنا مرض اكتشافك!»، هكذا تقول القصيدة لزبائن المطعم.
وبعدما جلس الثلاثة إلى المائدة أخذ التابعي يقرأ لعبدالوهاب قائمة الطعام وإذا بالثاني ينظر إلى طبق «فخم» يحمله الجرسون إلى أحد الزبائن، فقرر على الفور أن يطلب ذاك الصنف بقوله: «لا.. لا.. أنا عايز من ده.. ده باين عليه لذيذ قوي»، وعندما التفت التابعي إلى الجرسون عرف الصنف الذي أشار إليه عبدالوهاب.
وحاول التابعي أن يثنِ موسيقار الأجيال عن طلبه وأن يشرح له مم يتكون هذا الصنف «الفخم»، ولكنه رفض الاستماع إليه فتوقف التابعي عن الحديث واستدعى الجرسون، وطلب له منه، وبعد قليل جاء الطعام ومضى عبدالوهاب يلتهمه في شغف، ولم يكد يأكل نصف الطبق حتى قال له التابعي: «أنت عارف إيه اللي بتاكله يا محمد ده؟»، وإذا بعبدالوهاب يصيح فيه في توسل دون أن يتوقف عن الأكل قائلًا:
«لا بلاش والنبي يا تابعي.. استنى لما اخلص أكل».
ومضى الفنان المصري يلتهم طعامه من جديد حتى أصبح الطبق نظيفًا يلمع.. وعندئذ قال في هدوء: «كنت عايز تقولي إيه؟ الطبق اللي أكلته ده اسمه إيه بقى»، فقال التابعي ضاحكًا: «اسمه لحم خنزير أوري يا سي محمد»، فابتسم عبدالوهاب في مكر وهو يمصمص شفتيه: «اخص عليك.. كده تخليني آكل لحم خنزير يا تابعي».