أحمد رامي.. عُقدة في الصغر جعلته يكره حضور المآتم
كان والده طبيبًا مشهورًا نابغًا فأرسله الخديوي عباس الثاني إلى جزيرة «طاني بوز» من جزر الأرخبيل اليوناني، الواقعة تحت سيطرة الخديوي، لكي يكون طبيبًا خاصًا لتلك الجزيرة، وبذلك انتقل الشاعر المصري أحمد رامي مع عائلته من القاهرة إلى الجزر اليونانية رائعة الجمال.
رامي وهو لم يكمل السابعة من عمره تلفت حوله فلم يجد سوى النخيل والماء والنظافة، أشجار الجوز واللوز الأخضر، غابات وعيون مياه صافية، فانطلقت روحه تهيم بهذا الجمال الطبيعي، وتفتحت شاعريته على مصراعيه ونبتت بذرة الشِعر في نفسه، وتعلم اللغة اليونانية وحفظ أغنيتين ظل يذكرهما حتى وفاته.
ووسط تلك الجنة قضى شاعر الشباب عامين كانا أجمل سنوات عمره، وفجأة عاد إلى القاهرة ليعيش مع عمته في «الإمام الشافعي»، فأحدثت هذه النقلة في حياته أثرًا كبيرًا؛ حيث ضاق ذرعًا بصراخ أهالي الموتى والجنازات ومواكب النعوش، وكثيرًا ما استيقظ من نومه مفزوعًا من أصوات الصراخ، فبات كارهًا لهذا الواقع الجديد، وتربى لديه الشعور بالحزن والوحدة وكراهية النواح وحضور المآتم.
وبعد سنوات انتقل للعيش مع جده، حتى يكون قريبًا من مدرسة الخديوية الثانوية في حي الحنفي، ومنذ ذلك الوقت وهو يحرص على التهام محتويات مكتبة جده، والتي كانت زاخرة بألوان شتى من الكتب، فبدأ ينظم الشعر وهو طالب في الخامسة عشر من عمره، وكان أول نظمه قصيدة هجا فيها مستر«دنلوب»، المستشار الإنجليزي لوزارة المعارف، قال فيها: «أيا دنلوب كف عن العناد.. فقد هاجت وقد ماجت بلادي.. وقد سئمت بسيرك كل نفسي.. أتحسب أن مصرًا.. في رقاد».