تعرف على سر رفض محمد رفعت الذهاب للإذاعة
في مثل هذا اليوم وقبل 132 عامًا ولد قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت، وفي مثله أيضًا رحل عن دنيانا قبل 64 عامًا، تاركًا ورائه تراثًا عظيمًا من القراءات النادرة والابتهالات الدينية.
كان للشيخ محمد رفعت موهبة وقدرة عجيبة على تطويع الصوت حسب المشاهد القرآنية، ويعرف مواضع الترهيب والزجر والتشويق والترغيب، وكان يطوع صوتَه تبعًا للآيةِ التي يتلوها: فتارةً نراه إعصارًا هادرًا وتارة أخرى يفيض رقةً وعذوبةً وحنانًا، أما في الأذان فإنه سيد المؤذنين، فإذا سمعت أذانه فهو الأذان الأجمل، إذ تهتز لتهليله وتكبيره الخلائق وتختلج المشاعر إجلالاً واحترامًا لعظمة الأذان وهيبته، وكثير من الناس أسلموا بعد سماعهم الأذان منه، والمؤمنون زادوا بسماعه إيمانًا وتصديقًا ويقينًا.
لقد هاجمه المرض في عام 1943م وكانت الزغطة شديدة جدًا حيث كانت تلازمه فترة طويلة تزيد على الثلاث ساعات يوميًا فذهب إلى الكثير من الأطباء وتم إعطائه بعض المسكنات ولكن لفترة قصيرة إلا أنها عاودته مرة أخرى وكان الأطباء قد نصحوه بأن يشرب السوائل من الإناء بطريقة معينة مما قد يساعد في منع الزغطة.
وكان في تلك الفترة يذهب إلى الإذاعة يومين في الأسبوع هما يومي الاثنين والجمعة وذلك حتى عام 1948م حيث أشتد عليه المرض الذي كان يهاجمه أغلب ساعات يومه دون انقطاع حتى أنها هاجمته مرة أثناء قراءته بالإذاعة فأمتنع عن الذهاب إلى الإذاعة بعدها لشعوره بالخوف على ضياع مكانته كقارئ عظيم مكتفيًا بما قدم حتى أنه فضل القراءة في إحدى مساجد حي السيدة زينب وهو مسجد فاضل كان يقرأ فيه القرآن دون أن يذهب إلى الإذاعة.
عندما سئل شيخنا الجليل رحمة الله عليه عن ذهابه للمسجد بدلًا الإذاعة؟ فقال: «أنا اعلم بحالتي عندما أقرأ القرآن, فقد يكون صوتي قويًا فأنطلق كالحصان الجموح وأحيانًا أخرى يكون صوتي ضعيفاً لشدة إرهاقي وسوء حالتي النفسية من شدة المرض, فإذا ما قرأت في المسجد وكنت على غير ما يرام سترني أصحابي وأحبابي أما في الإذاعة فهذا الأمر لن يكون في صالحي وأنا لا أفضل ذلك في أيامي الأخيرة».
وفي يوم الاثنين بعد ميلاده بـ68 عامًا، مات الرجل الذي عرف كيف يصل بصوته ونبراته الرخيمة إلى أعماق القلوب.. مات صاحب الصوت الذي ظلَّ يجلجل على أمواج الأثير، مردِّدًا آيات الله في الآفاق.