شبح حرم يوسف وهبي من النوم
بعد أن قرر عميد المسرح العربي الراحل يوسف وهبي كتابة مذكرته، بدأت تراوده الأحلام والتي حكي عنها في أول أوراق مذكراته قائلًا: ذات ليلة منذ بضعة أشهر سمعت دويًا في أذني ، ثم اهتز سريري، ففتحت عيني وأنا بين النوم واليقظة فلمحت على أشعة القمر التي تتسرب من نافذة غرفة نومي شبحًا، وعندما دققت النظر بدا لي الشبح كصورة طبق الأصل مني فارتجفت وهمهمت من أنت؟ أنا حاضرك.
وأضاف: «حاضري! وماذا تريد؟ جئت لأعاتبك على كسلك وإهمالك في تسجيل ماضيك، نعم أنت محق، كثيرًا ما أمسكت القلم وأنا معتزم أن أكشف عن ماضي، ومرارًا ملأت عنه صفحات، وفي كل مرة أتوقف، بل أمزق ما دونت، لأن تاريخ حياتي يحتاج إلى كل وقتي، والتفكير فيه يضنيني ويهد كياني».
فرد الشبح قائلًا: «سألازمك من الآن ولن أدعك حتى تنتهي منها، إنها مسئولية خطيرة، وأسرار طواها الزمن ويشوبها عدم الاستقرار، إنها مسيرة طويلة وعمرا عشته طولاً وعرضاً، وكثيرًا ما أسأل نفسي، كيف صمدت بمفردي وبدون عون من أي مخلوق على اجتياز الصعاب التي مرت بي؟ عشرات السنين بين مد وجزر في قصور فاخرة، وفي غرفة على السطح يشاركني فيها الدجاج، رأس مال ضخم ورثته عن أبي وأضعته ثم استرددته ثم فقدته دوامة لا تهدأ فقر وغنى، شظف وترف، ظلام وبهرة أضواء، قامرت، وربحت، وخسرت، انتصرت وانهزمت، ولكنني لم أسلم سلاحي ولم أخضع للأقدار، ولم أغتر بالثراء، ولم أجزع من الإفلاس العلني وملاحقة «الديانة »، أعاصير وزوابع، وحرب ضروس شهرتها على الرجعية والحقد، مغامرات مع الجنس اللطيف تفوق حد الخيال، راغبات في خلق علاقات مع ذوي الشهرة، وفضوليات متعطشات للتذوق والتجربة، فراشات تغريها الأضواء يتساقطن في أتون النار، لكنني كثيراً كنت ضحية للمغريات».
ويواصل يوسف وهبي ويتذكر أدق التفاصيل التي مرت بحياته قائلاً: «لفقوا لي القصص، اتهموني بأني قناص أصطاد الطير الضعيف، نهم في المتعة، حشاش، سكير، عربيد، جعلت من المسرح مصيدة سقطت فيها كثيرات من الضحايا، والحقيقة كانت عكس ما لفقوه لي، وما ابتكروه لتحطيم سمعتي، أنا لا أدعي أنني كنت قديسًا أو راهبًا في محراب، أو متصوفًا، أو معصومًا من الخطأ والشهوات، لكنني، كغيري أيام الشباب والفتوة كنت أستجيب أحيانًا للإغراء والجمال في شيء من النهم، بيد أنني لم أشرب الخمر ولم أتعاط المخدرات، ولم أرتكب موبقات سوى حبي السابق للقمار الذي سلبني عشرات الألوف.