تعرف على حكاية محمد عبدالوهاب مع «الطبلة» وكتكوت الأمير
استطاع الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب، أن يدخل العزف على الطبلة، ضمن فرقة كوكب الشرق أم كلثوم، ولكنه أخرج العزف عليها من الطريقة التقليدية المعروف في الأفراح، وقام بصناعة نوتة خاصة بها، تتناسب مع ألحان الأغاني.
عبدالوهاب أصبح هو الملحن الوحيد الذي استطاع وحده أن يكتشف في هذه الآلة إمكانات جديدة تشد اهتمامات الناس وفي قلب أغنية تفتتح بها أم كلثوم موسمها الغنائي، ولم تكن الطبلة أو الدربكة غريبة علي الملحنين، فكثير منهم استخدموها في أغانيهم وألحانهم الشهيرة لمعظم المطربين والمطربات العرب، ولا يمكن أن يتجاهلوها بحال من الأحوال في ألحانهم، وكثيرا ما يأتي استخدامها في بداية اللحن أو في المقدمة، معتمدين في ذلك علي كفاءة الطبال وحنكته في استخدامها وإظهار مهارته الخاصة أثناء العزف عليها من تلقاء نفسه دون توجيه من أحد سوي اعتماده علي سير اللحن ودخول الطبلة في إيقاعاته دون تدخل من الملحن.
أما في حالة عبدالوهاب فالوضع مختلف تمامًا، فالطبال لا يفعل ذلك من تلقاء نفسه،لكن طبقا لتوجهات عبدالوهاب وبالطريقة التي يرشده للالتزام بها، ليؤكد أن هذه الآلة تمتلك إمكانات أخري لم يتم اكتشافها بعد, وبذلك يكون عبدالوهاب قد وضع منهجًا جديدًا لاستخدام الطبلة يمكن أن يتعلمه الدارسون في معاهد الموسيقي العربية والأكاديميات الفنية وتصبح هذه الآلة لها عشاقها والذين يمكنهم التمسك بها ويفضلونها علي كثير من الآلات الموسيقية الأخري.
وقد استطاع عبدالوهاب بالفعل أن ينتقل بالطبلة في صياغة فنية جديدة أثارت اهتمام خبراء الموسيقي في عالمنا العربي, وكانت المناسبة أغنية فكروني للشاعرالكبير عبدالوهاب محمد، الذي كان يعلن دائما أن أغنيته فكروني، وإن كان ترتيبها السادس في أغنياته لأم كلثوم, إلا أنها الأولي من وجهة نظره ورؤيته الفنية ومكانتها بين أغانيه لسببين، أولهما جاء بعد سماعه للحن موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب أثناء البروفات وسعادته الغامرة بأداء أم كلثوم، واستحداث عبدالوهاب لصولو الطبلة منفردا ضمن هذا اللحن، وبطريقة غير مسبوقة ومبهرة أثارت اهتمام الكثيرين، حيث وضع عبدالوهاب هذا الصولو مكتوبًا بالنوتة الموسيقية ومدونا أمام العازف لكي يلتزم به ولا يحيد عنه، بعكس ما كان يفعله أي عازف آخر بالاستخدامات العادية والتقليدية للطبلة، الدربكة في أثناء زفة العروسة والاندماج مع هذه الراقصة أو تلك تشاركه بعض الآلات الشعبية الأخري لاكتمال الزفة مثل آلة الدف والمزمار وغيرهما، ولم يخطر ببال العازف الذي اختاره عبدالوهاب أن يستدعيه ويجلس أمامه وينظر إلي النوتة الموسيقية حرفا حرفا، وفي التوقيت المحدد له في سياق اللحن، وبشرط أن يكون قد حفظ هذه النوتة مسبقا قبل دخول الاستديو، والاستماع إلي تعليمات رئيس الفرقة الموسيقية عازف القانون الأول محمد عبده صالح من بداية غناء أم كلثوم.
[caption id="" align="aligncenter" width="600"] محمد عبدالوهاب مع أم كلثوم وكتكوت الأمير[/caption]
ولم يحدث أن كانت أم كلثوم قد شاهدت هذا العازف الشاب الذي انضم إلي فرقتها الموسيقية، فهي تعرف أعضاءها واحدا واحدا وتنادي كلا منهم باسمه، وسألت عبدالوهاب عن اسمه فقال لها بعد الثناء علي موهبته اسمه كتكوت الأمير، فضحكت أم كلثوم وقالت إنه كتكوت بالفعل، فهو أصغر عضو في فرقتها الموسيقية، وكان بالطبع في غاية الرهبة لوجوده في فرقة سيدة الغناء العربي ومع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وإحساسه بأنه وصل إلي مكانة لم يصل إليها أحد ممن هم في سنه من العازفين.
وتترك أم كلثوم عبدالوهاب يقدم نصائحه للعازف الذي بدأ بالفعل في تقديم الصولو المكتوب أمامه في النوتة في أحد كوبليهات الأغنية، ويخطئ كتكوت في البداية عند الدخول مستخدما مهاراته العادية في العزف علي الطبلة، ويطلب منه عبدالوهاب التوقف عندما يكتشف أنه خرج عن النوتة المكتوبة، وبلطف شديد طلب من كتكوت الوقوف وجلس هو علي الكرسي مع الفرقة الموسيقية وقال له شوف أنا باعمل إيه، وأمسك عبدالوهاب بالطبلة وقام بعزف الصولو المنفرد عليها، وطلب من كتكوت الاستماع إليه جيدا مرة ومرتين وأعضاء الفرقة مبهورين بأداء عبدالوهاب علي الطبلة، ويستمعون بشغف شديد إليه وهو يعطي الدرس للعازف الشاب مما أثار انتباه عازف الكمان الأول أحمد الحفناوي، ليقول للأستاذ وهو في قمة سعادته: صحيح يا أستاذ إنك موسيقار الأجيال، وها هو واحد من الجيل يتعلم منك، واستمرت الفرقة في العزف الجماعي إلي أن وصلت إلي المقطع المبهج «القمر من فرحنا.. ح ينور أكتر»، في أغنيتها "فكروني" والذي زادته أم كلثوم حلاوة بأدائها، والكل يتمايل معها ابتهاجًا باللحن وبالأداء، فكانت أم كلثوم أثناء أداء اللحن تمر علي أعضاء الفرقة واحدا واحدا وتقول له: «أنا عارفة إنك مبسوط مثلي بس بص كويس في النوتة لاحسن عبدالوهاب جاي».