جولولي

اشترك في خدمة الاشعارات لمتابعة آخر الاخبار المحلية و العالمية فور وقوعها.

شكرى سرحان "فتي السينما الذهبي".. لماذا اسمه يسقط سهوا؟

الاثنين 12 أكتوبر 2020 | 03:50 مساءً
اشرف بيدس
4939
شكري سرحان

احيانا الخطوط المستقيمة في الفن لا تؤتي ثمار طويلة الأمد والصلاحية، فالشهرة والنجومية تحتاج إلي بعض من التوهج، وأحيانا لا يأتي هذا التوهج إلا من الطرق الالتفافية التي ليست لها علاقة بالإبداع أو الموهبة، كعدد مرات زواج النجم أو كثرة علاقاته العاطفية وفضائحه النسائية، وكلها تضع الفنان داخل دائرة الضوء، ورغم انها لا تصنع تاريخه وأحيانا كثيرة تسيء إلي هذا التاريخ لكنها تصنع توهجه. وعندما نتصدي لشخصية ملتزمة ومنضبطة ليس عليها أي غبار فنحن بلا شك نكن لها عظيم الاحترام والاهتمام، ولكن في الوقت ذاته لا تستفزنا ولا نركض ورائها لنتلصص علي أخبارها والتي غالبا ما تطفئ نار شبقنا في اللهاث لمعرفة أسرارها، وشكري سرحان (12 مارس 1925 - 19 مارس 1997)، واحد من اعظم ممثلينا الذي لم تشوبه شائبة ففقد توهجه، ولكنه لم يفقد ابدا احترامنا.

شكري سرحان حالة تثير الحيرة والارتباك، فرغم إنه اختير كأفضل ممثل في القرن العشرين بصفته صاحب أكبر رصيد في قائمة افضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية (15 فيلما) إلا أن اسمه يسقط سهوا في مناسبات عديدة، ويخرج دائما من غواية الحكي.. والمدهش في الأمر أن هذا السهو غير المتعمد يتكرر كثيرا ولم يتم الاعتذار عنه، فالرجل لعب –تقريبا- كل الأنماط البشرية ونجح في تجسيدها علي الشاشة، وكان "الجوكر" القادر والمتمكن من الغوص في أعماق شخوصه، وكان يتم اللجوء إليه دائما عندما يشتد الجدل والنقاش في اختيار ممثل لقيام دور شائك يتطلب مواصفات محددة، فيطرح اسم "شكري سرحان" للخروج من المأزق، وتأتي النتائج مبهرة ومقنعة لأبعد الحدود، فرغم أن ملامحه منضبطة، وسلوكياته قويمة تبعث علي الالتزام والجدية، فأنه لم يسجن قدراته في أدوار مثالية تتفق وطبيعته التي ظلت ملازمة لشخصيته.

شكري سرحان

كان دائما يقبل التحدي في قبول أدوار مختلفة، ودائما ينجح في اجتيازها وحصد العديد من الجوائز عليها، أن شكري سرحان ابن النيل شديد المصرية والشهامة والنبل لم تقف حدود ابداعاته في قوالب واحدة، بل جنح يمينا ويسارا في الحارات والريف والصعيد وبيوت الطبقات المتوسطة وأعتلي سلالم القصور، واغترف من طبائع تلك الانماط ليدهشنا ونصدق عن يقين أنه واحد من كل تلك البيوتات والقصور والعشش.

فمن ظلم إذن ابن النيل؟ هل الجماهير التي توحدت معه واندمجت في شخوصه وصدقت كل تفصيلة وايماءة صدرت منه، أم النقاد الذين نصبوه زعيما لكل ابناء مهنته والفة علي جيل كبير من زملائه العظام، بالطبع ليس احدا منهم، ولم يكن أيضا صناع السينما الذين وثقوا في قدراته وامكاناته وما كانوا لجأوا إليه في الاصل. ترى هل كل هؤلاء ابرياء من دمه، النقاد أنصفوه، والجماهير احبوه، والمخرجين اختصوه بالأدوار المهمة التي شكلت ملامح طريقه؟ لم يبق أمامنا سواه لنلقي عليه باللوم ونكون بذلك قد ظلمناه مرتين، الأولي في حياته والثانية في مماته.

في الدخول إلي عالمه التمثيلي نرصد رصيد سينمائي تجاوز 150 فيلما، (1945-1991) أي بمعدل ثلاثة أعمال كل عام، تنوعت ادواره ما بين الجاني والمجني عليه، العاشق والمعشوق، اللص والضابط، الانتهازي والمستميت في رد حقوق الآخرين، الاقطاعي والأجير، المستهتر والناضج، المتزمت والمستنير، نكتشف أننا أمام حالة تمثيلية استثنائية أضافت ابعاد إنسانية علي تلك الشخوص والتي ربما رفضنا ممارساتها ودافعنا عنها بوعي ودون وعي.

جسد شكري سرحان شخصية الفلاح في العديد من الاعمال السينمائية سنختار 4 أفلام فقط في هذا الصدد: «ابن النيل»1951 للمخرج يوسف شاهين، حيث كان يجسد شخصية "حميدة" الفلاح البسيط الذي لا يرضي بحياته ويحلم بالذهاب للقاهرة، و«الزوجة الثانية» 1967 من خلال شخصية "ابو العلا" الفلاح الفقير الذي يجبره العمدة علي طلاق زوجته ليتزوجها، و«شباب امرأة» 1956 وكلاهما لصلاح ابو سيف في دور "امام" الطالب الريفي الذي يأتي للقاهرة ليلتحق بالجامعة فيقع في براثن امرأة تسوقه إلي الرذيلة و«النداهة» 1975للمخرج حسين كمال حيث جسد دور "ابراهيم" البواب الذي اصطحب زوجته فهربت من قمعه وسطوته لتشق طريقها بعيدا عن وصايته، ودون الخوض في تفاصيل الأدوار وما آلت اليه الأحداث، فنحن امام أربع نماذج تختلف طبائعها وتوجهاتها وثقافتها رغم أنها من بيئة واحدة، لتأتي عبقرية الأداء والمعايشة في رسم صور مختلفة بأحاسيس مغايرة تطمح للجنوح وأحيانا ترضخ للذل والانقياد دون افتعال أو مبالغة ادائية، فهو يعرف كيف يلتف حول شخوصه والانقضاض عليها، متوفقا علي الخيال بترسيخه واقعا ملموسا يتفاعل معه المتلقي ويذوب فيه.

شكري سرحان

عندما تصدي عزالدين ذوالفقار لرواية يوسف السباعي "رد قلبي" لتقديمها للسينما كأول عمل يرصد ويرسخ للثورة المصرية 1952، كان امامه امتحانا صعبا وشاقا للغاية، فليس من السهل اختيار ممثل يتفق عليه الجميع، يحمل ملامح الضباط الاحرار ويكون في الوقت ذاته من تلك الطبقة التي نشأوا بها، ورغم ازدحام الساحة باسماء ونجوم ساطعة لامعة، لكنها لم تكن تحمل زخم الحدث، فلم يجد خير من شكري سرحان والذي لا توجد خطوط فاصلة بينه وبين الجماهير حتي تشعر بصدق ما يقوله، فيجسد شخصية علي عبد الواحد الشاب الملتزم الذي يكتسب ثقة ملايين الجماهير التي لسان حالها يردد لو كان المتشبه به قريب بالمتشبه فالخير قادم لا ريب فيه.

يبدو ان العلاقة بين شكري سرحان والصحافة لم تكن علي مايرام وليس لدينا ما ينفي أو يؤكد هذه النتيجة سوي شيئا واحدا استدللنا من خلاله عليها، وهو اننا رجعنا لما كتب عن فيلم "البوسطجي" في الصحافة المصرية (14 مقال لأكبر نقاد السينما) والغريب أن اكثر من ثلثي هذه المقالات لم يتعرض للدور الذي قام به شكري سرحان، وتم تجاوزه كثيرا، لدرجة أن أحد الكتاب اورد في مقالة تجاوزت الالف كلمة كل ما تعلق بالفيلم ابتداء من الكومبارس والمصور والسيناريست والموسيقي والمونتاج وجميع الفنيين والممثلين دون الاشارة بذكر اسمه، وهو الامر الذي تكرر في مقالات كثيرة، اما من تعرض له فكان في ايجاز شديد وعلي استحياء.

شكري سرحان

شهدت السبعينيات والثمانينيات انحسار الاضواء عنه مما جعله يقبل أعمال لم تضف لرصيده شيئا، عكس الخمسينيات والستينيات حيث كان ورقة اليانصيب الرابحة الذي راهن عليه الجميع، فأتخذ قرارا بالاعتزال وابتعد عن الأضواء حيث قضى سنواته الأخيرة في التعبد وقراءة القرآن تاركا سيرة كريمة لواحد من أعظم ممثلي القرن العشرين، والذي تمسك بالقيم والأخلاق ولم يفتن بالأضواء والشهرة، وعندما جاء الأجل لبي نداء ربه راضيا.

شكري سرحان