يحيى حقي.. أحد رواد القصة القصيرة
اشتهر يحيى حقى بأنه أحد رواد القصة القصيرة، وذلك بعدما حقق شهرة واسعة بكتبه، والتى كان أبرزها: "يا ليل يا عين"، و"أم العواجز"، و"خليها على الله"، وغيرها.
كان ترتيب يحيى حقي الثالث بين ثمانية أبناء، وكان قصير القامة، لايزيد طوله عن المتر، وكان زملاءه يتندرون عليه لأدبه الزائد.
نشأ يحيى حقي في بيت لم يعرف الفروق الطبقية أو الجنسية، وتلقى تعليمه في كُتَّاب السيدة زينب، وبعد أن انتقلت الأسرة للعيش في حي الخليفة، التحق عام 1912 بمدرسة والدة عباس باشا الأول الابتدائية بحي الصليبية، ثم لتحق بالمدرسة السيوفية، ثم المدرسة الإلهامية الثانوية، التي مكث بها سنتين حتى نال شهادة الكفاءة، ثم التحق عام 1920 بالمدرسة السعيدية لمدة عام، انتقل بعده إلى المدرسة الخديوية التي حصل منها على شهادة البكالوريا.
في أكتوبر 1921 التحق يحيى بمدرسة الحقوق السُلطانية العليا في جامعة فؤاد الأول، وكانت وقتئذٍ لا تقبل سوى المتفوقين، وزامل فيها توفيق الحكيم، وحصل على الليسانس في الحقوق عام 1925 ليتم تعيينه في النيابة، ثم ما لبث أن ترك هذه الوظيفة ليعمل بالمحاماة؛ لكن لم يلبث في عمله بالمحاماة أكثر من ثمانية أشهر، لأن القلق على مستقبله بدأ يساور أهله، فبدءوا يبحثون له عن عمل بالوساطات والشفاعات حتى وجدوا له وظيفة معاون إدارة في منفلوط بالصعيد الأوسط؛ وبعد وفاة والده عام 1926، لم يجد بُدًا من الخضوع لأوامر العائلة وقبول تلك الوظيفة ؛ التي تسلم عمله بها في الأول من يناير عام 1927.
بعد عامين كان يتطلع خلالهما للخلاص من تلك الحياة القاسية، قرأ يحيى إعلانا من وزارة الخارجية عن مسابقة لأمناء المحفوظات في القنصليات والمفوضيات.. نجح ولكن كان ترتيبه الأخير، فعين أمينا لمحفوظات القنصلية المصرية في جدة، عام 1929 ثم نقل منها إلى إستنبول عام 1930م، حيث عمل في القنصلية المصرية هناك، حتى عام 1934؛ بعدها نقل إلى القنصلية المصرية في روما، التي ظل بها حتى إعلان الحرب العالمية الثانية في سبتمبر عام 1939؛ إذ عاد بعد ذلك إلى القاهرة في الشهر نفسه، ليعين سكرتيرًا ثالثًا في الإدارة الاقتصادية بوزارة الخارجية المصرية، وقد مكث بالوزارة عشر سنوات رقي خلالها حتى درجة سكرتير أول حيث شغل منصب مدير مكتب وزير الخارجية، وقد ظل يشغله حتى عام 1949 ؛ وتحول بعد ذلك إلى السلك السياسي إذ عمل سكرتيرًا أول للسفارة المصرية في باريس، ثم مستشارًا في سفارة مصر بأنقرة من عام 1952 وبقى بها عامين، فوزيرًا مفوضًا في ليبيا عام 1953.
أُقِيلَ يحيى من العمل الدبلوماسي عام 1954 عندما تزوج من رسَّامة فرنسية وعاد إلى مصر ليستقر بها؛ فعين مديرًا عامًا لمصلحة التجارة الداخلية بوزارة التجارة؛ ثم أنشئت مصلحة الفنون سنة 1955 فكان أول وآخر مدير لها، إذ ألغيت سنة 1958، فنقل مستشارًا لدار الكتب، وبعد أقل من سنة واحدة أي عام 1959 قدم استقالته من العمل الحكومي، لكنه ما لبث أن عاد في أبريل عام 1962 رئيسًا لتحرير مجلة "المجلة" المصرية التي ظل يتولى مسئوليتها حتى ديسمبر سنة 1970.
من أشهر أعمال يحيى حقي مجموعته القصصية "دماء وطين"، و"قنديل أم هاشم"، و"يا ليل يا عين"، و"أم العواجز"، و"خليها على الله"، و"عطر الأحباب"، و"تعالى معي إلى الكونسير"، و"كناسة الدكان"؛ وتُرجمت بعض قصصه إلى الفرنسية، فترجم شارل فيال قصة "قنديل أم هاشم"، وترجم سيد عطية أبو النجا قصة "البوسطجي"، وقدمت تلك القصة الأخيرة في السينما وفازت بعدد كبير من الجوائز.
حصل يحيى حقي في يناير عام 1969 على جائزة الدولة التقديرية في الآداب، وهي أرفع الجوائز التي تقدمها الحكومة المصرية للعلماء والمفكرين والأدباء المصريين؛ تقديرًا لما بذله يحيى حقي من دور ثقافي عام، منذ بدأ يكتب، ولكونه واحدًا ممن أسهموا مساهمةً واضحةً في حركة الفكر والآداب والثقافة في مصر، بدءًا من الربع الأول من القرن العشرين. كما منحته الحكومة الفرنسية عام 1983م، وسام الفارس من الطبقة الأولى، ومنحته جامعة المنيا عام 1983 الدكتوراة الفخرية؛ اعترافا من الجامعة بريادته وقيمته الفنية الكبيرة؛ وكان واحدًا ممن حصلوا على جائزة الملك فيصل العالمية، فرع الأدب العربي، لكونه رائدًا من رواد القصة العربية الحديثة، عام 1990.