عبده الحامولى.. أشهر مجدّد فى الموسيقى العربية
اشتهر عبده الحامولي باستخدام مقامات موسيقية لم تكن متواجدة أو معروفة فى مصر، وعرف عنه رقيُّه فى اختيار الكلمات، فهو مطرب مصرى شهير ومهم ومجدّد فى مسار وتاريخ الموسيقى العربية، ولد يوم 18 مايـو 1836، وتوفى فى نفس شهر مولده يوم 12 مايو 1901، ارتبط اسمه بالمطربة الشهيرة “ألمظ”، التى تزوجها لفترة قصيرة بسبب وفاتها في سن صغير.
ولد الحامولى فى قرية “الحامول” التابعة لمركز منوف بمحافظة المنوفية لأبوين فقيرين، وكان له أخ أكبر منه، اختلف مع أبيه، فاتفق “عبده” مع أخيه على مفارقة الأب إلى القاهرة، فأتيا القاهرة فقيرين بائسين يبحثان عن عمل يعيشان منه.
وذات يوم استمع المعلم “شعبان” – صاحب مقهى شعبى بالقرب من حى الأزبكية – إلى صوت عبده الحامولى، فأدرك أنه يمكن أن يكون مصدر رخاء للمقهى، فاتفق معه على الغناء كل ليلة، وسرعان ما امتلأ المقهى بالزائرين الذين وجدوا فى صوت الحامولى سحرًا ومتعة.
خاف المعلم “شعبان” – بعد أن اتسعت شهرة الحامولى – أن يهرب منه مصدر الرزق الكبير، فقرر أن يضمن بقاءه معه بتزويجه من ابنته، وبدأ يتصرف معه على أنه فريسة مأمونة الجانب، وبدأ الأب وابنته يتعاملان مع الحامولى تعاملا قاسيًا، ظنًّا منهما أنهما امتلكاه ولم تعد أمامه أيّة فرصة للفرار، ولكنه بالفعل هرب من المقهى ومن المعلم وابنته ولم يعد إليهما، وذلك على الرغم من أنهما سعيا إليه ليعتذرا له ويعرضا عليه العودة، على أن يكون السيد المطاع فى البيت والمقهى، ولكن الحامولى لم يكن سعيدًا مع المعلم شعبان ولا مع زوجته المفروضة عليه، ولذلك اختار ألا يعود إليهم.
ذاع صيت عبده الحامولى بعد أن التقى مصادفة بشاكر أفندى الحلبى، أحد حفظة الأدوار والموشحات، فتلقى على يديه أصول الغناء، وحقق شهرة واسعة فى عالم الغناء والطرب، وكوّن تختًا موسيقيًّا خاصًّا به، وتولى المطرب محمد عثمان والشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب مهمة تلحين أغنياته.
وعندما سمعه الخديو إسماعيل أُعجب به وألحقه بحاشيته، واصطحبه إلى عاصمة السلطنة العثمانية “الآستانة”، وبذلك تهيّأت له فرصة الاستماع إلى الموسيقى التركية، واستطاع أن يقدّم ألحانًا تجمع بين المزاجين المصرى والتركى، وتحمل الروح المصرية والطابع الشرقى.
لعبت المصادفات دورًا كبيرًا فى حياة الحامولى وألمظ، كعاشقين شهيرين فى القرن التاسع عشر، ذاع صيتهما فى كل أركان مصر تقريبًا، فقد انتقل كلاهما من البؤس والفقر إلى الرخاء والثراء، ومن هامش الحياة إلى الشهرة والأضواء، ثم انتقلا من التنافس الشديد إلى التقارب والإعجاب المتبادل ثم الحب فالعشق فالزواج.
بدأت القصة بالمنافسة بين الفنانين المغرّدين: ألمظ وعبده الحامولى، وكان من مظاهر هذا التنافس بعض المداعبات الغنائية، حيث كانت “ألمظ” تغنّى أغنية فيرد عليها عبده الحامولى بأغنية أخرى.
ولم يلبث الحب أن ربط بينهما وتزوّجا وعاشا حياة سعيدة، حتى توفيت “ألمظ” فجأة وفى ريعان شبابها عام 1896، فامتلأت نفس الحامولى بالحزن، وكان عليه وهو الحزين أن يقدم الأفراح للناس بغنائه وصوته الرخيم.
اعتمد الحامولى فى تجديده الموسيقى على استخدام مقامات موسيقية لم تكن معروفة فى مصر، كالحجاز والنهاوند والكرد والعجم، وعرف عنه رقيّه فى اختيار الكلمات، وتعاون مع كبار رجال الدولة الذين يكتبون الشعر، أمثال: محمود سامى البارودى، إسماعيل صبرى باشا، الشيخ عبد الرحمن قراعة، مفتى مصر فى ذلك الوقت، وعائشة التيمورية، كما طلب من بعض الشعراء والمثقفين ترجمة مجموعة من الأغانى التركية إلى اللغة العربية.
اشترك بالغناء فى فرقة أبو خليل القبانى المسرحية، ومن أشهر أغانيه: “الله يصون دولة حسنك”، “كادنى الهوى”، “متّع حياتك بالأحباب”، “أنت فريد فى الحسن”، “كنت فين والحب فين”، ورغم أن تراثه الغنائى ينتمى إلى القرن التاسع عشر، إلا أن تأثيره كان قويًّا على كل مطربى العقدين الأولين من القرن العشرين، أمثال: صالح عبد الحى ويوسف المنيلاوى وعبد الحى حلمى وسلامة حجازى وأبو العلا محمد.
أما فى الموسيقى فقد ظهرت ألحان وأغنيات عبده الحامولى للوجود مرة أخرى بعد وفاته بنحو سبعين عامًا، عن طريق فرقة الموسيقى العربية التى أنشأها الفنان عبد الحليم نويرة فى القاهرة عام 1967، والتى قدمت وطبعت تلك الألحان على اسطوانات من جديد، ولاقت قبولاً كبيرًا.