هدى سلطان.. موهبة غنائية ظهرت منذ الصغر
ولدت بهيجة عبدالعال عبدالسلام، الشهيرة بـ"هدى سلطان"، بإحدى قرى محافظة الغربية في ١٥ أغسطس ١٩٢٥، وكانت تنتمي لأسرة فنية، فكان شقيقها الملحن والمطرب محمد فوزي، كما احترفت شقيقتها هند علام الغناء أيضا بعد ذلك لفترة محدودة، ومنذ الطفولة وبالتحديد فترة الدراسة الابتدائية بدأت موهبتها في الغناء تتضح عندما قامت بغناء "إنت فاكرني ولا ناسيني" لأم كلثوم، ولكنها لم تستطع إكمال تعليمها، حيث تم تزويجها مبكرا من موظف صغير بسكة حديد طنطا.
رفض شقيقها محمد فوزي احترافها للفن في بداية عملها خوفا عليها من أخلاقيات بعض العاملين بالوسط الفني، ولكن أمام إصرارها، خاصة بعد طلاقها وإثباتها لموهبتها وقدرتها على فرض احترامها، وافق على عملها وأنهى مقاطعته لها بمساعدة وإقناع زوجته خلال هذه المرحلة الفنانة مديحة يسري.
"الغناء" كان بمثابة نقطة الانطلاق الأولى لهدى سلطان، خاصة بعدما تم اعتمادها بالإذاعة المصرية كمطربة في ١٩٤٩ وقيامها بغناء أول أغنية لها "حبيب ما لقيتش مثاله"، حيث لفت نجاحها الأنظار إليها ليشارك بعد ذلك الموسيقار رياض السنباطي في التلحين لها، وتقدم بعد ذلك أكثر من "١٠٠" أغنية، شارك شقيقها محمد فوزي بتلحين "٣٠" أغنية تقريبًا.
وكان لنجاحها في الغناء فضل ترشيحها للعمل في السينما في فيلم "ست الحسن"، وذلك عندما أعلن "ستوديو نحاس" عن حاجته لمطربة للمشاركة في بطولة الفيلم مع كمال الشناوي، ليلى فوزي، وفعلا تقدمت للاختبار ونجحت وكان هذا أول أفلامها من إخراج نيازي مصطفى، واستمتع الجمهور من يومها بصوتها الجميل المميز بالشجن والطلاوة وصدق الإحساس.
لم تنضم هدى سلطان لأية دراسة أكاديمية لفن التمثيل، ومع ذلك فقد نجحت من خلال تجاربها العملية وموهبتها وحرصها على تنويع أدوارها على إثبات وجودها السينمائي، حتى أصبحت نجمة متوهجة في عالم السينما، وأن تقدم خلال مسيرتها الفنية أكثر من "٦٠" فيلمًا مع كبار المخرجين، لتحصد الكثير من الجوائز على أدوارها المختلفة، وذلك خلال رحلتها من "ست الحسن" في ١٩٥٠ إلى "من نظرة عين" في ٢٠٠٣؛ شاركت في العديد من الأفلام التي لا يمكن محوها من الذاكرة منها: "حكم القوي، الأسطى حسن، بيت الطاعة، حميدو، غلطة عمر، أبوالدهب، جعلوني مجرمًا، الشيخ حسن، رصيف نمرة ٥، بورسعيد، امرأة على الطريق، سواق نصف الليل، صائدة الرجال، السيرك، السكرية، عودة الابن الضال"، خاصة أنها تعمدت عدم تكرار الدور أو الشخصية، وفي أفلامها الأخيرة عملت على اختلاف شخصية الأم التي تجسدها من عمل لآخر، وفي كل أدوارها سواء كانت راقصة أو امرأة لعوب أو غازية أو ربة منزل مغلوبة على أمرها تشعر بصدق أدائها مع قوة شخصيتها وبصمتها المميزة وبصوتها المعبر، حتى ولو لم تشارك بالغناء، ومن المفارقات أن الأجيال الجديدة قد لا تعرف بداياتها كمطربة استطاعت أن تضع اسمها وسط جيل من المطربات الكبار في مقدمتهن: "أم كلثوم، أسمهان، فايزة أحمد، وردة، نور الهدى، شادية، صباح".
قدمت "سلطان" في المسرح سبع مسرحيات، فكانت بدايتها المسرحية أثناء زواجها بالنجم فريد شوقي حينما قررا معا تكوين فرقة خاصة لتقديم فن الأوبريت فقدما معا "عفريت الست" في ١٩٥٩، "جوز مراتي" في ١٩٦٠، وهما من إخراج فريد شوقي، وألحان محمد فوزي، وشاركتهما البطولة "سميحة توفيق، عبدالغني قمر، محمد رضا"؛ ومع الفرقة "الغنائية الاستعراضية" قدمت أوبريت "وداد الغازية" "٦٥ – ١٩٦٦" من تأليف جليل البنداري، وإخراج محمد سالم، سعد أردش، وشاركها البطولة "عادل أدهم، ثريا حلمي"، ثم أوبريت "الحرافيش" في ٦٧ – ١٩٦٨، من تأليف عبدالرحمن شوقي، وإخراج سعد أردش، وشاركها البطولة "محمد رضا، عبدالمنعم إبراهيم، صفاء أبوالسعود".
تستكمل "سلطان" تجاربها المسرحية بعد ذلك مع زوجها المخرج حسن عبدالسلام، فيقدما معا ثلاث مسرحيات، الأولى بفرقة "المتحدين" وهى مسرحية "مجنون بطة" في "٦٩/١٩٧٠" مع أمين الهنيدي، ومن تأليف أنور عبدالله وكتب الأغاني عبدالوهاب محمد، ولحنها بليغ حمدي، أما المسرحيتان الأخرتان من إنتاج فرقة "الريحاني" وهما: "باي باي" في ١٩٧٣، وشاركها البطولة "إبراهيم سعفان، عدلي كاسب، أبوبكر عزت"؛ "الملاك الأزرق" في ١٩٧٤ شاركها البطولة "عبدالمنعم مدبولي، فاروق فلوكس، ميمي شكيب" وهما من تأليف عبدالله فرغلي، ألحان الموسيقار حلمي بكر، وهكذا لم يستطع المسرح الاستفادة من تلك الموهبة الشاملة نظرا لندرة العروض الغنائية الاستعراضية لتطلبها إمكانيات مادية وقدرات فنية خاصة.
شاركت "سلطان" في بطولة العديد من السهرات والمسلسلات الإذاعية ومن أهمها مسلسل "بمبة كشر"، "سيد درويش"، بالإضافة إلى مشاركتها في الدراما منها: "زينب والعرش، لا يا ابنتي العزيزة، السيرة الهلالية، المسداوية، وداعًا ربيع العمر، دموع وشموع، زيزينيا، ثلاثية نجيب محفوظ، قصر الشوق، بين القصرين، السكرية، أرابيسك، الوتد، الليل وأخره". استطاعت "سلطان" من خلال عملها التليفزيوني أن تعوض غيابها عن الشاشة الفضية في السنوات الأخيرة، وأتاحت لها الدراما الاجتماعية فرصة الإبداع في أدوار الأم، التي للأسف تقدم كأدوار هامشية بالسينما.
توفيت هدى سلطان في 5 يونيو 2006.